رواية «سنوات سبع»
للكاتب عمرو نبيل
في عالمٍ صامتٍ لا تُسمَع فيه سوى دقات القلب المُتسارعة، عاش حسن مُغامرته الكبرى… وحيدًا، في عُزلةٍ مُطلقة عن كل ما كان يعرفه ويؤمن به، انفصل عن ضجيج العالم لا اختيارًا، بل قسرًا، ليجد نفسه وجهًا لوجه أمام المجهول، مُحاطًا بالمخاطر التي لا ترحم، وبأسئلة لا تجد أجوبة.
لم تكُن مُغامرته مجرد رحلة عبر الغابات أو الصحاري، بل كانت رحلة داخل ذاته، حيث صراعاته النفسيَّة أشد وطأة من العواصف، وأفكاره المُتضاربة تُحاصره كما لم تفعل الوحوش التي تربَّصت به في الظل.
في غياب الأهل، وانطفاء صوت الألفة، تَعلَّم حسن كيف يصنع من خوفه قوة، ومن وحدته درعًا، ومن صمته سلاحًا، هذه الرواية تحكي عن معركة الإنسان مع نفسه حين يُجبر على خوض الحياة دون دليل، لكنها أيضًا عن النور الذي يمكن أن ينبثق حتى في أحلك اللحظات.
رواية «سنوات سبع» للكاتب «عمرو نبيل»، والتي نُشرت على منصة «كُتبنا» للنشر الشخصي تتحدَّث عن حالة فريدة لطفل شبَّ قبل أوانه، وصنعت منه الظروف الاضطراريَّة رجلًا كهلًا قبل أن يدري، ليروي لنا عن صراعاته وتقلباته النفسيَّة لنعلم أنَّ وسط كل عتمة ضوء.
تحليل الكتاب، نوعه، تلخيصه:
تأتي رواية «سنوات سبع» من النوع النفسي الدرامي ذات الطابع الاجتماعي والسياسي، والمشحونة بعناصر الإثارة والتشويق.
الرواية عبارة عن رحلة نفسيَّة يأخذنا فيها الكاتب بقصة حسن، والتي تقتصر في غالبها على سرد يومياته في البيت المعزول في الصحراء، حيث تعكس هذه القصة صراع الإنسان ومخاوفه، ومن ثم نضجه واعتماده على نفسه لاتخاذ قرارات مصيرية، فالفكرة هنا تتحدَّث عن بطل الرواية حسن، وهو ابن لزوجين انخرطا في الأعمال السياسيَّة، والتي أضاعت سبع سنين من عُمريهما وعمر ابنهما، والتي حالت دون تحقيق حلمه بالفوز بجائزة نوبل، جعلت والديه يؤمِّنان ذلك البيت البعيد عن العيون بكل الإمكانيات التي يحتاجها أي إنسان في الحياة حتى يحميانه من أي خطر مُحتمل، يتركه والده في البيت ويرجع حتى يحضر زوجته، لكن القدر كان أسرع منه، يُعتقل الأب ويظن أنَّ زوجته لحقت بابنه، والزوجة اُعتقلت وهي تُفكِّر أنَّ الزوج لحق بالابن حتَّى بات وحيدًا في الصحراء.
فـ«حسن» هنا واجه الصعوبات والتحديات التي فرضتها عليه الظروف بدءًا بكونه وحيدًا بعد موت كلبه «رووي» الذي كان يؤنس وحدته ويزيل عنه وحشته، مرورًا بمكابداته وصراعاته اليوميَّة إلى محاولات الهرب، والتي أسفرت جميعها عن فشله الذريع للعودة إلى أهله، وبالنهاية القرار المصيري المشروط الذي اتخذه بعودته مع أهله للقاهرة في نهاية القصة.
من الأمور اللافتة للنظر هي رمزيات الرواية، والتي أبدع الكاتب في إيرادها واستعمالها بحرفية مثل:
«العيش وحيدًا في الصحراء» ترمز إلى رحلة الإنسان وما يتخللها من صعاب وصراعات وانتصارات أي «آلام وآمال» وأخص حادثة موت الكلب، واحتراق الطاقة الشمسيَّة.
المكتبة وأهمية الكُتُب في حياة الإنسان لما فيها من علوم ومعارف يتعلمها الإنسان وحده، لذلك كانت المكتبة بمثابة الأمان لحسن الأمان الوجداني والمعرفي يدفعه للشعور بالأمان المكاني، دفعته المكتبة إلى الخوض في المعرفة العلمية من الكُتُب التي تتحدَّث عن الصحراء وكيفية التعامل مع ظروفها والخوض في طريقها.
رمزية اللصوص: تتمثل في التهديدات الخارجية التي تحاول سلب الأمان منه والموارد وأيضًا كمخز خفي لنضجه وتطوره.
اللغة والأسلوب:
الكاتب يستخدم لغة عربية فصيحة مفهومة، بعيدة عن التَّكلُّف، لكنها ليست بسيطة إلى حد الابتذال، هناك عناية بالوصف والسرد دون الإغراق في المحسنات البلاغية، ممَّا يجعل النص واضحًا وعاطفيًّا في الوقت نفسه.
أحسن الكاتب في إدارة الحوار الداخلي والخارجي، وبرع في بناء توترات نفسيَّة وشعوريَّة من خلال الحوارات بين الشخصيات.
الأسلوب واضح ومشحون بالعاطفة دون تعقيد، ويعتمد على الوصف الحي والحوار المُعبِّر، ما يُقرِّب القارئ من الشخصيات والمواقف.
نجح الكاتب في تصعيد التوتر تدريجيًّا: بداية من الغموض، مرورًا بالعزلة والخطر، ثم بلوغ الذروة في لحظات المواجهة والوعي، ممَّا يبقي القارئ مشدودًا.
الرواية مناسبة لكل محبي الواقعية الرمزية والمهتمون الأدب النفسي والدرامي.
الرواية تمتاز بالبناء النفسي البطيء والمُعقد، لذلك قد لا تناسب محبي البناء النفسي الخفيف دون تعقيد.
«اقتباسات»
الأمل، كان هذا هو الأمل الذي يمكن أن يُبقيه حيًّا، الأمل الذي أحيا أممًا حين تمسكت به، وقضى على أخرى حين فقدته بالتأكيد قادر على إبقائه حيًّا، ولكن لمتى؟
إذا كنت صادقًا مع نفسك وكنت على حق لا تخشَ العواقب.
كان الدرس واضحًا، أنت لا تملك رفاهية أن تنكسر، لا مكان من اليوم تختبئ فيه، لا مساحة للانعزال.
الرواية مميزة بحق، وتستحق كل دقيقة صرفت فيها، لذلك أُرشِّحها وبشدة.