كيف تصبح فنانًا ناقدًا بالطريقة المقبولة؟

Apr 22, 2021

يقول الروائي الألماني "توماس مان"
الفنان ناقد للمجتمع، ولكن ينبغي أن يكون واضح في الأذهان أن الفنان ليس ناقدا أخلاقيا للمجتمع وليس قيما عليه، ولا ينبغي أن يكون كذلك، إنما هو ناقد جمالي في المقام الأول.
فإصلاح العالم أخلاقيا ليس شأنه، ولا هو شأن أمثاله، وما يؤكد ذلك أن في وسع الفنان أن يصلح العالم بطريقة أخرى تختلف تماما عن طريقة الوصايا الأخلاقية، بأن يبث في الحياة حياة، باعتباره ممثلا لها شكلا ومضمونا عن طريق الكلمة والصورة والفكرة.
فهذه هي الرسالة الفنية الحقة ولا شيء سواها، وكما قال جوته (قد يكون للعمل الفني آثاره الأخلاقية، لكن مطالبة الفنان بأن يضع نصب عينه غايات وأهداف أخلاقية تؤدي إلى إفساد العمل الفني)، فعلى الفنان أن يبتعد عن إلقاء المواعظ الأخلاقية، والدعاية للمثل الإنسانية العاليا لأنها تدفع الكاتب بصورة ما إلى الأقتراب من التفاهة لما يكتنف هذا من جوانب هزلية، فالتواضع ضروري للفنان، رغم أن هذا التواضع لا يلبث أن تلاشي نتيجه للرابطة الوثيقة بين الفن والنقد.
فحتى الكلمة في صورة أغنية هي نقد للحياة، واستطيع أن أقرر أن ثمة قدرا من التعارض الحتمي بين الفنان الكاتب وبين الواقع والحياة والمجمتع، وهو تعارض ناشئ عن الارتباط بين الفنان والكلمة، فالفنان ينشأ بداخلة منذ مرحلة مبكرة إحساس يتألف من عناصر شكلية وعقلية تدفعه إلى الشعور بالامتياز على العالم القائم، وهذا ما يجعل موقفه الانتقادي من الدنيا المحيطة به يتخطى الحدود الجمالية، ويدعي لنفسه صفة أخلاقية، ورغم أن هذا موقفا هجوميا بيعدا عن التواضع المطلوب وبه جانب هزلي، لكن عذره أن هناك عنصرا أخلاقيا يرتبط بالصفة النقدية الملازمة للفن الذي ينبع من فكرة الخير، وهي فكرة لها مكانها الطبيعي في مجال الجمال والأخلاق على السواء، على عكس الشر الذي ليس له وجود في مجال الجمال، فأنواع الشر من كراهية وقسوة ليس من الضروري أن تكون رديئة من حيث التعبير الجمالي إذا ما عرضت بمقدرة جيدة.
ولكن نجد في مجال التجربة والمجتمع الإنساني أن الرديء، والسخيف، والزائف هو أيضا شرير، لأنه حقير وضار بالإنسان، فإن الجانب الانتقادي في الفن ما أن يتجه نحو الخارج ويصبح احتماعيا حتى يصبح أخلاقيا، ويصبح الفنان مصلح اجتماعي.
فقد عرف الفنان طويلا في هذا الدور، فعلى سبيل الذكر الرواية الواقعية التي تتناول المجتمع هي تقود بنقد اجتماعي له، وهذا ما حدث وما يحدث في كل مكان، وفي كل بلد وصلت فيه الرواية إلى حد الازدهار.
فالمشكلة الإنسانية لا تقبل التجزئة، فهي مشكلة لم يكن لها في أي وقت ولا في أي مكان معنى ضيق، وإنما هي تضم كافة المجالات، فالجانب الجمالي والأخلاقي والاجتماعي لكها تتحد في مشكلة الإنسانية، مما يخلق في الفنان الحافز الاجمتاعي والاهتمامات الأخلاقية، بل والإدراك العميق لمصائر الناس
تحرير/ رامي أبوراية

Related Posts

Comments

  • Taha Tantawy

    26 Mar 2017

    يستلفت النظر أن الكاتبة وهى تعمل فى مجال البحث العلمى فى مجال الصيدلة,((كما ورد فى تعريفها عن نفسها)) ,أن مفرداتها تتميز بالشاعرية ودقة إختيار الالفاظ المعبرة عما تريد الإفصاح عنه من أفكار او خواطر وفيما يتعلق بمضمون كتابها,فهى تقتحم منطقه ربما تكون شائكة بعض الشئ بحكم ما يواحهه مجتمعنا من رده فكرية تضرب كل مناحى الفكر فى مرحلتنا الحالية

  • Mohamed Shafeiy

    27 Mar 2017

    قرأت الكتاب واستمتعت بمحتواه وأسلوبه السلس، وصدق التعبير، الحس الأدبي حاضر فيه بين الرواية والشعر، كنت أتمنى لو كان كله باللغة العربية، لكن ثراء الصور ورقي المعاني ساعدني كي اتجاوز هذه الجزئية.

  • Samah El-Tantawy

    28 Mar 2017

    أرى أهم مايميز هذا العمل كونه يدعو قارئه للتأمل و التفكر و الغوص في نفسه مع استمتاعه بالحوار و الأشعار اللذان يجمعان بين العلم و الأدب و الفكاهة على النحو الذي يجعل القارئ حين يبدأ بتصفحه لايشعر بنفسه حتى ينتهي من قراءته؛ و لكن ما لن ينتهي هو الأثر الذي سيتركه في نفسه و خصوصاً حاجته للتأمل في النصوص المرفقة في النهاية.

Add Review