لا أَعجَب كونه لا يهدأ رغم مجالستي إياه كل ليلة وحديثي معه الذي لا ينقطع، رغم أنني دائمًا ما أُنصِت له، أنظر إليه ولا أدعه يئن في صمت ولا ينفرد به، أعلم أنني لم أقدم له حلًا، لكن ما نبذته. ولا أَعجَب كذلك إذا مد إليَّ أوراقه وكانت كلها أنت، فإنني أطالعها في اليوم مئات المرات، أحفظها ظهرًا عن قلب، وأقف عند كل واحدة منهن كثيرًا. فمنهن ما اهتُرِئ كثرة ما أمسكتُ بها، وما قد عفا عليها وليس من بينهن جديد فما استُجِد شيء بيننا.
أيها الحبيب! قد زوَّرت فؤادي تلطفًا، ورغم أن الحب لا يعرف موقعه من الغد، لكن قد بنى لك منزلًا. الأيام لا تمررك كما تمر، ولا النسيان يزورني كما أنت، وأنا العمر الضائع سُهدًا، أنا التي تجسد الغائب، تجلسه حيالها، وتنظر إليه بعين اشتاقت وتتحسس أصابعه على أكواب لم يلمسها.
أنا التي تسأل ولا يُرَد عليها، وأنا الصوت الصاخب في زجاجة مغلقة. وذاتها التي آتت إلى مدينة تعرف قصتنا وتدثرها، في كل مرة أقول لها: سيشغر هذا الكرسي ويقاسمني الحديث، وينظر إليكِ بعيني، سيقطع هذا الطريق معي ولن تفرغ يدي منه أبدًا، لكنني في كل مرة ألجأ إليها باكية أريدها تزملني وقلبي!